فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

هاهنا أبحاث:
البحث الأول: روي أنه كان في بني إسرائيل شيخ صالح له عجلة فأتى بها الغيضة وقال: اللهم إني استودعتكها لابني حتى تكبر وكان برًا بوالديه فشبت وكانت من أحسن البقر واسمنها فتساوموها اليتيم وأمه حتى اشتروها بملء مسكها ذهبًا وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير، وكانوا طلبوا البقرة الموصوفة أربعين سنة.
البحث الثاني: روي عن الحسن أن البقرة تذبح ولا تنحر وعن عطاء أنها تنحر، قال: فتلوت الآية عليه فقال: الذبح والنحر سواء، وحكي عن قتادة والزهري إن شئت نحرت وإن شئت ذبحت وظاهر الآية يدل على أنهم أمروا بالذبح وأنهم فعلوا ما يسمى ذبحًا والنحر وإن أجزأ عن الذبح فصورته مخالفة لصورة الذبح، فالظاهر يقتضي ما قلناه حتى لو نحروا ولا دليل يدل على قيامه مقام الذبح لكان لا يجزي.
البحث الثالث: اختلفوا في السبب الذي لأجله ما كادوا يذبحون، فعن بعضهم لأجل غلاء ثمنها وعن آخرين أنهم خافوا الشهرة والفضيخة، وعلى كلا الوجهين، فالاحجام عن المأمور به غير جائز:
أما الأول: فلأنهم لما أمروا بذبح البقرة المعينة، وذلك الفعل ما كان يتم إلا بالثمن الكثير وجب عليهم أداؤه لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب إلا أن يدل الدليل على خلافه، وإنما لا يلزم المصلي أن يتطهر بالماء إذا لم يجده إلا بغلاء من حيث الشرع، ولولاه للزم ذلك إذا وجب التطهر مطلقًا.
وأما الثاني: وهو خوف الفضيحة فذاك لا يرفع التكليف، فإن القود إذا كان واجبًا عليه لزمه تسليم النفس من ولي الدم إذا طالب وربما لزمه التعريف ليزول الشر والفتنة وربما لزمه ذلك لتزول التهمة في القتل عن القوم الذين طرح القتيل بالقرب منهم، لأنه الذي عرضهم للتهمة فيلزمه إزالتها فكيف يجوز جعله سببًا للتثاقل في هذا الفعل.
البحث الرابع: احتج القائلون بأن الأمر للوجوب بهذه الآية، وذلك لأنه لم يوجد في هذه الصورة إلا مجرد الأمر، ثم إنه تعالى ذم التثاقل فيه والتكاسل في الاشتغال بمقتضاه، وذلك يدل على أن الأمر للوجوب.
قال القاضي: إذا كان الغرض من المأمور إزالة شر وفتنة دل ذلك على وجوبه وإنما أمر تعالى بذبحها لكي يظهر القاتل فتزول الفتنة والشر المخوف فيهم، والتحرز عن هذا الجنس الضار واجب، فلما كان العلاج إزالته بهذا الفعل صار واجبًا وأيضًا فغير ممتنع أن في تلك الشريعة أن التعبد بالقربان لا يكون إلا سبيل الوجوب، فلما تقدم علمهم بذلك كفاهم مجرد الأمر.
وأقول: حاصل هذين السؤالين يرجع إلى حرف واحد وهو أنا وإنا كنا لا نقول إن الأمر يقتضي الوجوب فلا نقول: إنه ينافي الوجوب أيضًا فلعله فهم الوجوب هاهنا بسبب آخر سوى الأمر، وذلك السبب المنفصل إما قرينة حالية وهي العلم بأن دفع المضار واجب، أو مقالية وهي ما تقدم بيانه من أن القربان لا يكون مشروعًا إلا على وجه الوجوب.
والجواب: أن المذكور مجرد قوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} فلما ذكر الذم والتوبيخ على ترك الذبح المأمور به علمنا أن منشأ ذلك هو مجرد ورود الأمر به لما ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بكون الوصف علة لذلك الحكم.
البحث الخامس: احتج القائلون بأن الأمر يفيد الفور بهذه الآية، قالوا: لأنه ورد التعنيف على ترك المأمور به عند ورود الأمر المجرد فدل على أنه للفور. اهـ.

.قال أبو حيان:

وهذا الذي تظافرت عليه أقاويل أكثر المفسرين، وذكروا في ذلك اختلافًا وقصصًا كثيرًا مضطربًا أضربنا عن نقله صفحًا كعادتنا في أكثر القصص الذي ينقلونه، إذ لا ينبغي أن ينقل من ذلك إلا ما صح عن الله تعالى، أو عن رسوله في قرآن أو سنّة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)}.
أخرج البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بني إسرائيل لو أخذوا أدنى بقرة لأجزاهم ذلك أو لأجزأت عنهم».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن بني إسرائيل قالوا {وإنا إن شاء الله لمهتدون} ما أعطوا أبدًا، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم».
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر عن عكرمة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: «فقال لو أن بني إسرائيل أخذوا أدنى بقرة فذبحوها أجزأت عنهم ولكنهم شددوا ولولا أنهم قالوا {إنا إن شاء الله لمهتدون} ما وجدوها».
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم، ولو لم يستثنوا ما بينت لهم آخر الأبد».
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إنما أمر القوم بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد عليهم، والذي نفس محمد بيده لو لم يستثنوا ما بينت لهم».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال: لو أخذوا أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا وتعنتوا موسى فشدد الله عليهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك} قال: الفارض الهرمة، والبكر الصغيرة، والعوان النصف.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {لا فارض} قال: الكبيرة الهرمة. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول؟:
لعمري لقد أعطيت ضيفك فارضًا ** تساق إليه ما تقوم على رجل

قال: أخبرني عن قوله: {صفراء فاقع لونها} قال: الفاقع الصافي اللون من الصفرة قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول؟:
سدمًا قليلًا عهده بانيسه ** من بين اصفر فاقع ودفان

وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: الفارض الكبيرة، والبكر الصغيرة، والعوان النصف.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير. أنه كان يستحب أن يسكت على بكر، ثم يقول: عوان بين ذلك.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {عوان بين ذلك} قال: بين الصغيرة والكبيرة، وهي أقوى ما يكون وأحسنه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {صفراء فاقع لونها} قال: شديدة الصفرة، تكاد من صفرتها تبيض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله: {صفراء} قال: صفراء الظلف {فاقع لونها} قال: صافي.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {فاقع لونها} قال: صاف لونها {تسر الناظرين} قال: تعجب الناظرين.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والخطيب والديلمي عن ابن عباس قال: من لبس نعلًا صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها، وذلك قوله: {صفراء فاقع لونها تسر الناظرين}.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله: {صفراء فاقع لونها} قال: سوداء شديدة السواد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة. أنه قرأ {أن الباقر تشابه علينا}.
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى عن يعمر. أنه قرأ {إن الباقر تشابه علينا} وقال: إن الباقر أكثر من البقر.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءتنا {إن البقر متشابه علينا}.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {إنها بقرة لا ذلول} أي لم يذله العمل {تثير الأرض} يعني ليست بذلول فتثير الأرض {ولا تسقي الحرث} يقول: ولا تعمل في الحرث {مسلمة} قال: من العيوب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {لا ذلول تثير الأرض} يقول: ليست بذلول فتفعل ذلك {مسلمة} قال: من الشبه قال: {لا شية فيها} قال: لا بياض ولا سواد.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {مسلمة} قال: لا عوار فيها.
وأخرج ابن جرير عن عطية {لا شية فيها} قال: لونها واحد ليس فيها لون سوى لونها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {لا ذلول} يعني صنفة يقول: لم يذلها العمل {مسلمة} قال: من العيوب {لا شية فيها} قال: لا بياض فيها {قالوا الآن جئت بالحق} قالوا: الآن بينت لنا {فذبحوها وما كادوا يفعلون}.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب في قوله: {فذبحوها وما كادوا يفعلون} لغلاء ثمنها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس. أن أصحاب البقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة، حتى وجدوها عند رجل في بقر له وكانت بقرة تعجبه، فجعلوا يعطونه بها فيأبى حتى أعطوه ملء مسكها دنانير، فذبحوها فضربوه بعضو منها، فقام تشخب اوداجه دمًا، فقالوا له: من قتلك؟ قال: قتلني فلان.
وأخرج وكيع وابن أبي حاتم عن عطاء قال: الذبح والنحر في البقر سواء، لأن الله يقول: {فذبحوها}.
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد، قال: كان لبني إسرائيل وأنتم لكم النحر، ثم قرأ {فذبحوها} {فصل لربك وانحر} [الكوثر: 2]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}.
طلبوا الحيلة ما أمكنهم فلما ضاقت بهم الحِيَل استسلموا للحكم فتخلصوا من شدائد المطالبات، ولو أنهم فعلوا ما أمِروا به لما تضاعفت عليهم المشاق. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرض}.
فسره الزمخشري بوجهين: إما نفي الإشارة فهو على إضمار لاَ أي لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث، وإما على إثبات الإشارة ونفي السقي أي هي تحرث ولا تسقي.
ورد هذا بأنها إذا انتفى عنها أنّها ذلول ثبت كونها صعبة غير مذللةٍ فلا تطاق لا إلى الحرث ولا إلى سقي.
وأُجيب عنه بأن ذلولا من أبنية المبالغة فما انتفى عنها إلا الأخص من الذلة فهو نفي للأخص، ولم ينتف عنها مطلق الذلة فهي متوسطة فلولا كانت صعبة جدا ما حرثت ولا سقت، ولو كانت ذليلة فهي منقادة لا صعبة ولا مذللة.
وقال الطيبي: يحتمل أن يكون من نفي الشيء بنفي لازمه مثل قول امرئ القيس:
على لاَحِبٍ لا يهتدى بمناره

ابن عطية: إنما ذلك حيث يذكر لازم الشيء فقط فيكون نفيه نفيا للملزوم وهنا ذكر الملزوم ولازمه منفيين فليس من ذلك القبيل إلا لو قيل: لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث ولم يقل: لا ذلول.
ورد هذا بأن مراد الطيبي أنّ نفي الذلّة عنها ونفي السقي يستلزمان نفي إثارتها الأرض، لأن الإثارة في الآية مثبتة غير منفية، وهو مثل قول الله تعالى: {وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} قال الزمخشري: إنه مثل قوله.
على لاَحِب لا يهتدى بمناره

أي ليس هناك خبير فينبئك، وكذا كمثل قولهم هذا يوم لا ينادي وليد أي ليس فيه وليد فينادي ومثل قول صاحب البردة:
فذلك حيِنَ بُلوغٍ من نُبُوَّتهِ ** فليس يُنْكَر حالُ محتلِمِ

أي ليست له حال محتلم فتنكر.
فإن قلت: الذّلة والإثارة متلازمان؟
قلنا: الذلة في الآية منفية، والإثارة مثبتة، ولا يتم ما قال الطيبي إلا إذا أعرب {تثير الأرض} صفة ل {ذلول} فمعناه لا ذلول مثيرة {الأرض} أي ليست مثيرة الأرض فيكون ذلولا كمعنى البيت المتقدم أي ليس له منار يهتدي به، وإن أعربناه صفة للبقرة أو استئنافا أو حالا فما يجيء فيه ذلك التفسير، وإذا كان صفة ل {ذلول} فيكون النفي مسلطًا على الموصوف وصفته، وقصده ثبوت أحدهما فتكون إما ذلول غير مثيرة ولا مسقية وإما ذلول فقط كقولك: لا رجل صالح في الدار.
وضده احتمال كونه: فيها رجل غير صالح، أو أنها ليس فيها أحد.
قال ابن عرفة: وأخذوا من الآية أن الأمور الجزئية المشخّصة يمكن تعريفها بالخاصة، لأن التعريف بالخواص إنما يكفي عندهم في الأمور الكلية، أما الجزئية فإنها تعرف بتعيينها والإشارة إليها، إذ في الممكن أن يكون في الوجود غيرها مختصا بتلك الصفات.
قال: وعادتهم يجيبون بأن الزمان والمكان هنا معينان، فلذلك اكتفى بالتعريف بالخواص ولو كان الزمان مُبْهَما لقلنا: في الجائز أن يوجد من هو على تلك الصفة في زمن من الأزمان، أو في غير ذلك المكان إما في ذلك الزمان وإما في ذلك المكان فيتعين أن الموصوف شيء واحد لا يحتمل غيره.
واحتجوا بهذه الآية على أبي حنيفة رضي الله عنه لأنه يمنع السلم في الحيوان على الصفة، وقال: لا تخصصه الصفة، فنقل عنه القرطبي هنا وابن يونس المنع في الحيوان بالإطلاق، ونقل عنه غيرهما أنه خصص ذلك ببني آدم.
قال ابن عرفة: وله أن يجيب بأن الغرور في البيع معتبر، وهذا ليس ببيع فلا يلزم من جواز الاكتفاء بالصفة هنا الاكتفاء بها هنالك. انتهى.